عثمان بن عفان في عهد أبي بكر وعمر[عدل]
في عهد أبي بكر الصديق[عدل]
تخطيط اسم أبو بكر الصديق
كان عثمان من الصحابة وأهل الشورى الذين يؤخذ رأيهم في كبرى المسائل في خلافة أبي بكر، فقد كان عمر بن الخطاب للحزامة والشدائد، وعثمان بن عفان للرفق والأناة. حيث كان عمر وزيراً للخلافة في عهد الصديق، أما عثمان فكان أمينها العام.[67] وكان رأيه مقدماً عند الصديق؛ فبعد أن قضى أبو بكر على حركة الردة، أراد أن يغزو الروم، فقام في الناس يستشيرهم، فقال الألباب ما عندهم، ثم استزادهم أبو بكر فقال: ما ترون؟ فقال عثمان:
«إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا لعامتهم صلاحا، فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين.[68][69]»
فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: «صدق عثمان، ما رأيت من رأي فأمْضِه».[69] ولما أراد الصديق أن يبعث والياً إلى البحرين استشار أصحابه، فقال عثمان:
«ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله إليهم فقدم عليه بإسلامهم وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلاده»
وكان عثمان يقصد العلاء بن الحضرمي، فبعث الصديق العلاء إلى البحرين.[70] ولما اشتد المرض بأبي بكر استشار الناس فيمن يحبون أن يقوم بالأمر من بعده، فأشاروا بعمر، وكان رأي عثمان في عمر:
«اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله.[71] فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدتك.[72]»
وفي إحدى الفترات من خلافة أبي بكر الصديق حصل هنالك قحط وأزمة اقتصادية، عن ابن عباس قال: «قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبي بكر فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت, والناس في شدة شديدة، فقال أبو بكر: انصرفوا واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم، قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة بُرًّا - أو قال طعاما - فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاءون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين، فقال عثمان: حبًّا وكرامة ادخلوا فاشتروا، فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال: يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني، قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني، قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين».[73][74][75] قال ابن عباس: «فرأيت من ليلتي رسول الله في المنام وهو على برذون أبلق (الذي فيه سواد وبياض) عليه حُلَّة من نور، في رجليه نعلان من نور، وبيده قصبة من نور، وهو مستعجل، فقلت: يا رسول الله، قد اشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر؟ قال: «يا ابن عباس، إن عثمان قد تصدق بصدقة، وإن الله قد قبلها منه وزوجه عروسا في الجنة، وقد دعينا إلى عرسه»».[73]
في عهد عمر بن الخطاب[عدل]
تخطيط اسم عمر الفاروق
كان عثمان ذا مكانة عند عمر، فإذا أراد الناس أن يسألوا عمر في مسألة طلبوا الأمر من عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا لم يقدر هذان على الأمر طلبوا ذلك من العباس.[76] لقد كانت مكانة عثمان في خلافة عمر بن الخطاب كمكانة الوزير من الخليفة، فقد جاء في بعض الروايات بأنه هو الذي أشار على عمر بفكرة الديوان وكتابة التاريخ، وكان ممن أيدوا رأي عمر في عدم تقسيم أرض الفتوح على الفاتحين وإبقائها فيئًا للمسلمين وللذرية من بعدهم.[77]
لما اتسعت الفتوحات وكثرت الأموال جمع عمر ناسا من أصحاب رسول الله ليستشيرهم في هذا المال، فقال عثمان:
«أرى مالا كثيراً يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ منهم ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر، فعمل عمر برأي عثمان، وتم تدوين الدواوين.[78][79]»
في كتابة التاريخ فقد ذكرت بعض الروايات أن الذي أشار على عمر بجعل السنة الهجرية تبدأ بالمحرم هو عثمان، وذلك أنه لما تم الاتفاق على جعل مبدأ التاريخ الإسلامي من هجرة النبي، اختلفوا في أي الأشهر يجعل بداية للسنة، فقال عثمان:
«أرخوا من المحرم أول السنة، وهو شهر حرام، وأول الشهور في العدة، وهو منصرف الناس من الحج»
فرضي عمر ومن شهده من أصحابه رأي عثمان واستقر عليه الأمر، وأصبح مبدأ تاريخ الإسلام.[79]
لما استخلف عمر بن الخطاب سنة 13 هـ، بعث تلك السنة على الحج عبد الرحمن بن عوف، فحج بالناس، وحج مع عمر أيضا آخر حجة حجها عمر سنة 23 هـ، وأذن عمر تلك السنة لأزواج النبي في الحج، فحُملن في الهوادج، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحدا يدنو منهن، وينزلن مع عمر كل منزل، فكان عثمان وعبد الرحمن ينزلان بهن في الشعاب فيقبلانهن الشعاب، وينزلان هما في أذل الشعب، فلا يتركان أحدا يمر عليهن.[80]
توليه الخلافة[عدل]
الفقه العمري في الاستخلاف[عدل]
استمر اهتمام عمر بن الخطاب بوحدة الأمة ومستقبلها حتى اللحظات الأخيرة من حياته،[81] وقد استطاع أن يبتكر طريقة جديدة لم يسبق إليها في اختيار الخليفة الجديد، وذلك عن طريق جعل الشورى في عدد محصور، وقد حصر ستة من الصحابة كلهم يصلحون لتولي الأمر ولو أنهم يتفاوتون، وحدد لهم طريقة الانتخاب ومدته، وعدد الأصوات الكافية لانتخاب الخليفة وحدد الحكم في المجلس، والمرجح إن تعادلت الأصوات، وأمر مجموعة من الجنود لمراقبة سير الانتخابات في المجلس، وعقاب من يخالف أمر الجماعة، ومنع الفوضى بحيث لا يسمحون لأحد يدخل أو يسمع ما يدور في المجلس.[82] وقد تضمن المجلس ستة أشخاص، وهم علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله. حيث أمرهم أن يجتمعوا في بيت أحدهم ويتشاوروا وفيهم عبد الله بن عمر يحضر معهم مشيرا فقط وليس له من الأمر شيء، ويصلي بالناس أثناء التشاور صهيب الرومي، وقال له: «أنت أمير الصلاة في هذه الأيام الثلاثة» حتى لا يولي إمامةَ الصلاة أحدا من الستة فيصبح هذا ترشيحاً من عمر له بالخلافة.[83] وأمر المقداد بن الأسود وأبا طلحة الأنصاري أن يرقبا سير الانتخابات.[84] وقد حدد عمر الفترة بثلاثة أيام، فقال لهم: «لا يأتي اليوم الرابع إلا وعليكم أمير».[85] وكان قد أوصى عبد الله بن عمر بأن يحضر معهم في المجلس وأن ليس له من الأمر شيء، ولكن قال لهم: ف«إن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر، فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف»، ووصف عبد الرحمن بن عوف بأنه مسدد رشيد، فقال عنه: «ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف، مسدد رشيد، له من الله حافظ، فاسمعوا منه».[86] طلب عمر أبا طلحة الأنصاري وقال له: «يا أبا طلحة، إن الله أعز الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم».[87] وقال للمقداد بن الأسود: «إذا وضعتموني في حفرتي، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم».[87] وكانت من فوائد قصة الشورى، جواز تولية المفضول مع وجود الأفضل، لأن عمر جعل الشورى في ستة أشخاص مع علمه أن بعضهم كان أفضل من بعض. عرف عمر أن الشورى لن تكون بين الستة فقط، وإنما ستكون في أخذ رأي الناس في المدينة فيمن يتولى الخلافة؛ حيث جعل لهم أمد ثلاثة أيام فيمكنهم من المشاورة والمناظرة لتقع ولاية من يتولى بعده عن اتفاق. وقد أناط عمر بأهل الشورى وحدهم اختيار الخليفة من بينهم.
وصية عمر للخليفة الذي بعده[عدل]
أوصى عمر الخليفة الذي سيخلفه في قيادة الأمة بوصية قال فيها:[88][89][90][91]
«أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا؛ أن تعرف لهم سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم. وأوصيك بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء العدو، وجباة الفيء، لا تحمل منهم إلا عن فضل منهم، وأوصيك بأهل البادية خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام, أن تأخذ من حواشي أموالهم فترد على فقرائهم. وأوصيك بأهل الذمة خيرا؛ أن تقاتل من وراءهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدوا ما عليهم للمؤمنين طوعا، أو عن يد وهم صاغرون. وأوصيك بتقوى الله والحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة، وأوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله، وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورك، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم؛ فإن في ذلك -بإذن الله- سلامة لقلبك وحطًّا لوزرك، وخيرا في عاقبة أمرك حتى تفضي في ذلك إلى من يعرف سريرتك ويحول بينك وبين قلبك، وآمرك أن تشتد في أمر الله وفي حدوده ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد الرأفة حتى تنتهك منه مثل جرمه، واجعل الناس عندك سواء، لا تبالِ على مَنْ وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء على المؤمنين فتجور وتظلم وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك، وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلا وعفة عما بسط لك اقترفت به إيمانا ورضوانا، وإن غلبك الهوى اقترفت به غضب الله. وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة، وقد أوصيتك وخصصتك ونصحتك، فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة، واخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيبا وافرا وحظا وافيا، وإن لم تقبل ذلك ولم يهمك، ولم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصا، ورأيك فيه مدخولا؛ لأن الأهواء مشتركة، ورأس الخطيئة إبليس داع إلى كل مهلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك فأوردهم النار وبئس المورود، وبئس الثمن أن يكون حظ امرئ موالاة لعدو الله الداعي إلى معاصيه. ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظا لنفسك. وأناشدك الله إلا ترحمت على جماعة المسلمين، وأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم، ولا تضر بهم فيذلوا، ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم، ولا تجمِّرهم في البعوث فينقطع نسلهم، ولا تجعل المال دولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم، هذه وصيتي إليك، وأشهد الله عليك وأقرأ عليك السلام.»
الشورى[عدل]
رسم فارسي يُظهر مُبايعة المُسلمين لعُثمان بن عفَّان في المسجد، وقد مُحي وجهه احترامًا.
بعد الانتهاء من دفن عمر بن الخطاب ذهب رهط الشورى وأعضاء مجلس الدولة الأعلى إلى الاجتماع في بيت عائشة بنت أبي بكر، وقيل إنهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس، ليقضوا في الأمر، وقد تكلم القوم وبسطوا آراءهم واهتدوا إلى كلمة سواء رضيها الخاصة والكافة من المسلمين.[92]
عندما اجتمع أهل الشورى قال لهم عبد الرحمن بن عوف: «اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم»، فقال الزبير: «جعلت أمري إلى علي»،[93] وقال طلحة: «جعلت أمري إلى عثمان»، وقال سعد: «جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف»، وأصبح المرشحون الثلاثة علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: «أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه» فأسكت الشيخين، فقال عبد الرحمن بن عوف: «أفتجعلونه إليَّ والله على أن لا آلو عن أفضلكما»، قالا: «نعم».[93]
بدأ عبد الرحمن بن عوف اتصالاته ومشاوراته فور انتهاء اجتماع المرشحين الستة صباح يوم الأحد، واستمرت مشاوراته واتصالاته ثلاثة أيام كاملة، حتى فجر يوم الأربعاء الرابع من محرم وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها لهم عمر، وبدأ عبد الرحمن بعلي بن أبي طالب فقال له: «إن لم أبايعك فأشر عليَّ، فمن ترشح للخلافة؟ قال علي: عثمان بن عفان»، وذهب عبد الرحمن إلى عثمان وقال له: «إن لم أبايعك، فمن ترشح للخلافة؟ فقال عثمان: علي بن أبي طالب». وذهب ابن عوف بعد ذلك إلى الصحابة الآخرين واستشارهم، وكان يشاور كل من يلقاه في المدينة من كبار الصحابة وأشرافهم، ومن أمراء الأجناد، ومن يأتي للمدينة، وشملت مشاورته النساء في خدورهن، وقد أبدين رأيهن، كما شملت الصبيان والعبيد في المدينة، وكانت نتيجة مشاورات عبد الرحمن بن عوف أن معظم المسلمين كانوا يشيرون بعثمان بن عفان، ومنهم من كان يشير بعلي بن أبي طالب. وفي منتصف ليلة الأربعاء، ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى بيت ابن أخته: المسور بن مخرمة، فطرق البيت، فوجد المسور نائما،[94] فضرب الباب حتى استيقظ فقال:
«أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً، فدعوتهما له، فشاورهما ثم دعاني فقال: ادع لي علياً فدعوته فناجاه حتى ابهارَّ (انتصف) الليل ثم قام علي من عنده، ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح.[95]»
وبعد صلاة صبح يوم البيعة (اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23هـ/ 6 نوفمبر 644م) وكان صهيب الرومي الإمام إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف، وقد اعتم بالعمامة التي عممه بها رسول الله، وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر، أرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد منهم: معاوية أمير الشام، وعمير بن سعد أمير حمص، وعمرو بن العاص أمير مصر، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر وصاحبوه إلى المدينة.[96]
وما يروى عند أهل السنة فقد جاء في البخاري:
«فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى كل حاضر من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: «أما بعد، يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً»، فقال عبد الرحمن مخاطباً عثمان: «أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده»، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون.[95]»
وجاء في رواية أن علي بن أبي طالب هو أول من بايع بعد عبد الرحمن بن عوف.[97]
أما الشيعة فهم يرون بأن الصحابة حابوا في أمر المسلمين، وأن علي بن أبي طالب لم يرض بأن يقوم عبد الرحمن بن عوف باختيار الخليفة،[98] فقد ورد عند أبي مخنف وهشام الكلبي عن أبيه وأحمد الجوهري أن عمر جعل ترجيح الكفتين إذا تساوتا بعبد الرحمن بن عوف، وأن علياً أحس بأن الخلافة ذهبت منه لأن عبد الرحمن سيقدم عثمان للمصاهرة التي بينهما.[99] كما أشارت رواية أبي مخنف إلى وقوع مشادة بين بني هاشم وبني أمية أثناء المبايعة.[100] ومن الأقوال التي نسبت لعلي، قال ابن كثير: وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير وغيره عن رجال لا يعرفون أن علياً قال لعبد الرحمن: «خدعتني، وإنك إنما وليته لأنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه، وأنه تلكأ حتى قال عبد الرحمن بن عوف: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [48:10]».
إدارة الدولة[عدل]
الشؤون المالية[عدل]
نقود فارسية من الطراز الذي كان شائعًا أثناء خلافة عمر وعثمان. نُقشت على هذه النقود صورة آخر أكاسرة الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وقد تم إضافة نقش البسملة عليها.
لما تولى عثمان الخلافة لم يغير من سياسة عمر المالية، وإن كان قد سمح للمسلمين باقتناء الثروات وتشييد القصور وامتلاك المساحات الكبيرة من الأراضي، فقد كان عهده عهد رخاء على المسلمين.[101] كما أنه وجه كتاباً إلى الولاة وكتابا آخر إلى عمال الخراج، وأذاع كتاباً على العامة، وكانت عناصر السياسة المالية العامة التي أعلنها الخليفة قد قامت على الأسس العامة التالية:
تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية.
عدم إخلال الجباية بالرعاية.
أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين.
إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين.
أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق، وإعطاؤهم ما لهم، وعدم ظلمهم.
تخلق عمال الخراج بالأمانة والوفاء.
تفادي أية انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة.[102]
الولاية والولايات[عدل]
حينما تولى عثمان الخلافة في بداية سنة 24 هـ، أقر الولاة الذين قد تم تعيينهم من قِبل عمر بن الخطاب في ولاياتهم عاماً كاملاً، بعد ذلك أبقى البعض وعزل آخرين، وعمل على التعيين في هذه الأمصار حسب الحاجة وذلك بعد الأخذ بمشورة الصحابة. في عهده قام بضم بعض الولايات إلى بعضها لما يراه في مصلحة المسلمين، فقد ضم البحرين إلى البصرة، كما ضم بعض ولايات الشام إلى بعضها الآخر نتيجة لوفاة بعض الولاة أو طلب البعض منهم الإعفاء من العمل. وقد كان دائم النصح لولاته بالعدل والرحمة بين الناس، كما أنه حدد لهم معالم السياسة التي يجب أن يعملوا بها، من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وبالوفاء حتى مع الأعداء، وأن لا يكون همهم جباية المال.[103] كان يكتب إلى عماله ببعض التعليمات في الأمور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم للولايات، إضافة إلى كتبه للعامة والتي كان يصدر فيها تعليمات محددة يلتزم بها الجميع، ومن ذلك إلزامه الناس في الولايات بالمصاحف التي كتبت في المدينة على ملأ من الصحابة.[104] كان حريصاً على أن يتنافس الأمراء فيما بينهم في الجهاد وفتح بلدان جديدة.[105] كان يشترط أحياناً بعض الشروط على الولاة ليضمن أن تصرفهم في صالح المسلمين.[106]
وقد كان من الولاة الذين تم تعييهم على ولايات الدولة الإسلامية:
[أظهر]الولايات في عهد عثمان بن عفان
القضاء[عدل]
عندما تولى عثمان الخلافة كان على قضاء المدينة علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، والسائب بن يزيد. ويذكر البعض أن عثمان لم يترك للقضاة الاستقلال بالفصل في القضايا، كما كان الحال في عهد عمر، بل كان ينظر في الخصومات بنفسه، ويستشير هؤلاء وغيرهم من الصحابة فيما يحكم به، فإن وافق رأيهم رأيَه أمضاه، وإن لم يوافق رأيهم رأيه نظر في الأمر بعد ذلك. وهذا يعني أن عثمان قد أعفى القضاة الثلاثة في المدينة من ولاية القضاء وأبقاهم مستشارين له في كل شجار يرفع إليه مع استشارة آخرين، ويرى بعضهم أنه لم يثبت نص صريح يفيد الإعفاء، ولكنه تحمل عنهم النظر في كثير من القضايا الكبيرة مع استشارتهم فيها.
تذكر بعض الكتب أن من مآثر ذي النورين اتخاذه داراً للقضاء، وقد جاء ذلك في رواية رواها ابن عساكر عن أبي صالح مولى العباس قال: أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه فأتيته في دار القضاء إلى آخر الحديث، فإذا صح فيكون عثمان هو أول من اتخذ دارا للقضاء في الإسلام، لأن من سبقه كان يتخذ المسجد كمكان للقضاء.[130] وكان قد ترك أحكاماً فقهية في مجال القصاص والجنايات والحدود والتعزير والعبادات والمعاملات.
أشهر القضاة في خلافة عثمان
زيد بن ثابت - المدينة.
أبو الدرداء الأنصاري - دمشق.
كعب بن سور الأزدي - البصرة.
أبو موسى الأشعري - البصرة، (بالإضافة إلى ولايته).
شريح القاضي - الكوفة.
يعلى بن أمية - اليمن.
ثمامة - صنعاء.
عثمان بن قيس بن أبي العاص - مصر.[131]
جمع القرآن[عدل]
Crystal Clear app kdict.png مقالات مفصلة: جمع القرآن مصحف عثمان
نسخة من المُصحف طاعنة في القِدم مكتوبة بالخط الكوفي يُعتقد أنَّها تعود لعهد عُثمان بن عفَّان.
في عهده انتشر الإسلام في بلاد كبيرة وتفرق الصحابة مما أدى إلى ظهور قراءات متعددة وانتشرت لهجات مختلفة فكان الخوف من اختلاف كتابة القرآن وتغير لهجته، فجمع عثمان المسلمين على لغة قريش أي لهجة قريش وهي لهجة العرب.
عن أنس بن مالك: «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير, وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق».[132]
جمع عثمان المهاجرين والأنصار وشاورهم في الأمر، وفيهم عدد من أعلام وعلماء الصحابة، وفي طليعتهم علي بن أبي طالب. وعرض عثمان هذه المسألة وناقشهم فيها فأجابوه إلى رأيه، وظهر للناس في أرجاء الأرض ما انعقد عليه إجماعهم، فلم يعرف يومئذ لهم مخالف.[133]
مصحف عثمان أو المصحف الإمام، أقدم المصاحف الباقية.
قال ابن التين: «الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشيته أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حملته. لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبًا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي. وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك إلى تخطئة بعضهم البعض، فخشى من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبًا لسوره، واقتصر في سائر اللغات على لغة قريش محتجاً بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءاته بلغة غيرهم، دفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة قد انتهت، فاقتصر على لغة واحدة».
لما فرغ عثمان من جمع المصاحف أرسل إلى كل أفق بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسله إلى الآفاق، وقد اختلفوا في عدد المصاحف التي فرقها في الأمصار، فقيل: إنها أربعة وهو الذي اتفق عليه أكثر العلماء، وقيل إنها خمسة، وقيل إنها ستة، وقيل إنها سبعة، وقيل إنها ثمانية. وأما كونها ثمانية، فإن الثامن كان لعثمان يقرأ فيه، وهو الذي قتل وهو بين يديه.[134]
الفتوحات في عهد عثمان بن عفان[عدل]
الدولة الإسلامية في ذروة اتساعها خلال عهد عثمان.
في خلافة عثمان فتحت العديد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فقد فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.[4]
بعد مقتل عمر بن الخطاب تشجع أعداء الإسلام وخصوصا في بلاد الفرس والروم إلى العمل على استرداد السيطرة في تلك البلاد، فبدأ يزدجرد ملك الفرس يخطط في العاصمة التي يقيم فيها وهي مدينة فرغنة عاصمة سمرقند، وأما زعماء الروم فقد تركوا بلاد الشام وانتقلوا إلى القسطنطينية العاصمة البيزنطية، وبدؤوا في البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استرداد ملكهم. وكانوا قد تحصنوا بالإسكندرية في عهد عمر بن الخطاب، فطلب عمرو بن العاص منه أن يأذن بفتحها، وكانت معززة بتحصينات كثيرة وكانت المجانيق فوق أسوارها، وكان هرقل قد عزم أن يباشر القتال بنفسه ولا يتخلف أحد من الروم؛ لأن الإسكندرية هي معقلهم الأخير.[135] وفي عصر عثمان تجمع الروم في الإسكندرية، ونقضوا الصلح واستعانوا بقوة الروم البحرية.[136]
كانت المعسكرات في عهد عثمان تتوزع في عواصم الأقطار الكبرى، فمعسكر العراق مركزه الكوفة والبصرة، ومعسكر الشام في دمشق، ومعسكر مصر مركزه الفسطاط، وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية الدولة الإسلامية كما تعمل على مواصلة الفتوحات، ونشر الإسلام.[137]
الفتوحات في المشرق[عدل]
فتوحات أهل الكوفة[عدل]
كانت مغازي أهل الكوفة الري وأذربيجان، وكان يرابط بها عشرة آلاف مقاتل؛ ستة آلاف بأذربيجان، وأربعة آلاف بالري، وكان جيش الكوفة العامل أربعين ألف مقاتل، يغزو كل عام منهم عشرة آلاف. ولما أخلص عثمان الكوفة للوليد بن عقبة انتفض أهل أذربيجان، فمنعوا ما كانوا قد صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر، وثاروا على واليهم عقبة بن فرقد، فأمر عثمان الوليد أن يغزوهم، فأسرع إليه أهل أذربيجان طالبين الصلح على ما كانوا صالحوا عليه حذيفة، فأجابهم الوليد وأخذ طاعتهم، وبث فيمن حولهم السرايا وشن عليهم الغارات، فبعث عبد الله بن شبيل الأحمسي في أربعة آلاف إلى أهل موقان والببر الطيلسان، فأصاب من أموالهم وغنم وسبي، ولكنهم تحرزوا منه فلم يفلّ حدَّهم، ثم جهز سليمان الباهلي في اثني عشر ألفا إلى أرمينية فأخضعها وعاد منها مليء اليدين بالغنائم، وانصرف الوليد بعد ذلك عائداً إلى الكوفة.[138] ولكن أهل أذربيجان تمردوا أكثر من مرة، فكتب الأشعث بن قيس والي أذربيجان إلى الوليد بن عقبة فأمده بجيش من أهل الكوفة، وتتبع الأشعث الثائرين وهزمهم هزيمة منكرة، فطلبوا الصلح فصالحهم على صلحهم الأول، وخاف الأشعث أن يعيدوا الكَرَّة فوضع حامية من العرب وجعل لهم عطايا وسجلهم في الديوان، وأمرهم بدعوة الناس إلى الإسلام. ولما تولى أمرهم سعيد بن العاص عاد أهل أذربيجان وتمردوا على الوالي الجديد، فبعث إليه جرير بن عبد الله البجلي فهزمهم وقتل رئيسهم، ثم استقرت الأمور بعد أن أسلم أكثر شعبها وتعلموا القرآن الكريم. وأما الري فقد صدر أمر الخليفة عثمان إلى أبي موسى الأشعري وفي وقت ولايته على الكوفة، وأمره بتوجيه جيش إليها لتمردها، فأرسل إليها قريظة بن كعب الأنصاري فأعاد فتحها.[139]
عندما انتهى الوليد بن عقبة من مهمته في أذربيجان وعاد إلى الموصل جاءه أمر من الخليفة عثمان نصه:
«أما بعد، فإن معاوية بن أبي سفيان كتب إليَّ يخبرني أن الروم قد أجلبت (تجمعت للحرب) على المسلمين بجموع عظيمة، وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولي،[140] والسلام»
فقام الوليد في الناس، فخطب فيهم حتى خرج ثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة، فمضوا حتى دخلوا وأهل الشام إلى أرض الروم، وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري، وعلى جند أهل الكوفة سلمان بن ربيعة الباهلي، فشنوا الغارات على أرض الروم، فأصاب الناس ما شاؤوا من سبي، وملؤوا أيديهم من المغنم، وافتتحوا بها حصونا كثيرة.[140]
غزوة سعيد بن العاص طبرستان[عدل]
عملة طبرستانية من القرنين السابع والثامن الميلاديين.
ذهب سعيد بن العاص من الكوفة غازياً سنة 30 هـ يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول الله، ومعه الحسن والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وخرج عبد الله بن عامر من البصرة يريد خراسان، فسبق سعيداً ونزل أبرشهر، وبلغ نزوله أبرشهر سعيداً، فنزل سعيد قوميس، وهي صلح، صالحهم حذيفة بعد نهاوند، فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف، ثم أتى طميسة، وهي كلها من طبرستان جرجان، وهي مدينة على ساحل البحر، وهي في تخوم جرجان، فقاتله أهلها حتى صلى صلاة الخوف، فقال لحذيفة: كيف صلى رسول الله؟ فأخبره فصلى بها سعيد صلاة الخوف وهم يقتتلون، وضرب يومئذ سعيد رجلاً من المشركين على حبل عاتقه، فخرج السيف من تحت مرفقه، وحاصرهم، فسألوا الأمان فأعطاهم على ألا يقتل منهم رجلاً واحداً، ففتحوا الحصن، فقتلهم جميعا إلا رجلاً واحداً، وحوى ما كان في الحصن، فأصاب رجل من بني نهد سفطاً عليه قفل، فظن فيه جواهر، وبلغ سعيداً، فبعث إلى النهدي فأتاه بالسفط فكسروا قفله، فوجدوا فيه سفطاً ففتحوه فإذا فيه خرقة صفراء وفيها أيران: كميت وورد.[141]
فتوحات عبد الله بن عامر[عدل]
منارة مسجد عثمان بن عفان في كوخرد، إيران.
في سنة 31 هـ وصل عبد الله بن عامر إلى خراسان ففتح أبرشهر وطوس وبيورد ونسا حتى بلغ سرخس، وقام بمصالحة أهل مرو. وقد جاء في رواية بأنه فتح فارس ورجع إلى البصرة، واستعمل على إصطخر شريك بن الأعور الحارثي، فبنى شريك مسجد إصطخر، فدخل على ابن عامر رجل من بني تميم فقال له: «إن عدوك منك هارب، وهو لك هائب، والبلاد واسعة، فسِرْ فإن الله ناصرك ومعز دينه»، فتجهز ابن عامر، وأمر الناس بالمسير، واستخلف على البصرة زياداً، وسار إلى كرمان، ثم أخذ إلى خراسان؛ قيل أنه أخذ طريق أصبهان، ثم سار إلى خراسان، واستعمل على كرمان مجاشع بن مسعود السلمي، وأخذ ابن عامر على مفازة وابَر، وهي ثمانون فرسخاً، ثم سار إلى الطَّبَسين يريد أبرشهر (نيسابور)، وعلى مقدمته الأحنف بن قيس، فأخذ إلى قُهستان، وخرج إلى أبرشهر فلقيه الهياطلة، فقاتلهم الأحنف فهزمهم، ثم أتى ابن عامر نيسابور.[142] وفي رواية أن ابن عامر نزل على أبرشهر فغلب على نصفها ولكنه لم يقدر أن يصل إلى مرو، فصالح كناري، فأعطاه ابنه أبا الصلت ابن كناري وابن أخيه سليمًا رهنًا. ووجه عبد الله بن خازم إلى هراة، وحاتم بن النعمان إلى مرو، وأخذ ابن عامر ابني كناري، فصار إلى النعمان بن الأفقم النصري فأعتقهما،[143] وفتح ابن عامر ما حول مدينة أبرشهر، كطوس وبيورد، ونسا وحمران، حتى وصل إلى سرخس، وسرح ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوي إلى ببهق وهو من أبرشهر، بينها وبين أبرشهر ستة عشر فرسخاً، ففتحها وقتل الأسود بن كلثوم، وكان فاضلاً في دينه، وكان من أصحاب عامر بن عبد الله العنبري. وكان عامر يقول بعدما أخرج من البصرة: «ما آسى من العراق على شيء إلا على ظماء الهواجر، وتجاوب المؤذنين، وإخوان مثل الأسود بن كلثوم».[144] واستطاع ابن عامر أن يتغلب على نيسابور، وخرج إلى سرخس، فأرسل إلى أهل مرو يطلب الصلح، فبعث إليهم حاتم بن النعمان الباهلي، فصالح براز مرزبان مرو على ألفي ألف ومائتي ألف.[144]
الفتوحات في الشام[عدل]
فتوحات حبيب بن مسلمة الفهري[عدل]
بعد أن قام الروم على المسلمين أول خلافة عثمان، وكتب عثمان إلى الوليد بن عقبة بالكوفة أن يمد إخوانه بالشام, فأمدهم بثمانية آلاف عليهم سلمان ابن ربيعة الباهلي، فانتصر المسلمون. وكان الروم والترك قد تجمعوا لملاقاة المسلمين الذين غزوا أرمينية، وكان على المسلمين حبيب بن مسلمة، فرأى أن يباغت قائدهم الموريان ليلاً، فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد الكلبية، فقالت: «فأين موعدك؟» قال: «سرادق الموريان أو الجنة». ثم باغتهم فغلبهم, وأتى سرادق الموريان فوجد أن امرأته قد سبقته إليه.[145] وواصل حبيب جهاده وانتصاراته المتوالية في أراضي أرمينية وأذربيجان، ففتحها. لقد كان حبيب بن مسلمة الفهري من أبرز القادة الذين حاربوا في أرمينية البيزنطية.[146] كما غزا ما يلى ثغور الجزيرة العراقية من أرض الروم فافتتح عدة حصون هناك، مثل شمشاط وملطية وغيرهما، وفي سنة 25 هـ غزا معاوية الروم فبلغ عمورية فوجد الحصون التي بين أنطاكية وطرسوس خالية، فجعل عندها جماعة من أهل الشام والجزيرة، وواصل قائده قيس بن الحر العبسي الغزو في الصيف التالي، ولما انتهى هدم بعض الحصون القريبة من أنطاكية كي لا يستفيد منها الروم.[147]
الغزو البحري[عدل]
تعود فكرة الغزو البحري إلى عهد عمر بن الخطاب حين ألحّ معاوية بن أبي سفيان على عمر في غزو البحر، ويصف له قرب الروم من حمص ويقول: «إن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم»، ففكر عمر في ذلك، فكتب إلى عمرو بن العاص: «صف لي البحر وراكبه، فإن نفسي تنازعني إليه»، فكتب إليه عمرو: «إني رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير، إن ركن خرق القلب، وإن تحرك أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين قلة، والشك كثرة، هم كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق»، فلما قرأ عمر بن الخطاب ذلك، كتب إلى معاوية: «لا والذي بعث محمداً بالحق، لا أحمل فيه مسلماً أبداً، وتالله لمسلم أحب إليَّ مما حوت الروم، فإياك أن تعرض لي، وقد تقدمت إليك، وقد علمت ما لقى العلاء مني، ولم أتقدم إليه في ذلك».[148] ولكن معاوية طرح الأمر ثانية بعد تولي عثمان الخلافة، فرد عليه عثمان قائلا: «إني قد شهدت ما رد عليك عمر حين استأذنته في غزو البحر»، ثم كتب إليه معاوية مرة أخرى يهون عليه ركوب البحر إلى قبرص فكتب إليه: «فإن ركبت معك امرأتك فاركبه مأذونا وإلا فلا».[149] واشترط عليه الخليفة عثمان بقوله: «لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم، خيرهم فمن اختار الغزو طائعا فاحمله وأعنه».[150] فلما قرأ معاوية ذلك، كتب لأهل السواحل يأمرهم بإصلاح المراكب وتقريبها إلى ساحل حصن عكا، حيث رممه ليكون ركوب المسلمين منه إلى قبرص.[151]
غزوة قبرص[عدل]
عكا كانت مكان انطلاق الأسطول البحري المتجه لغزو قبرص سنة 28 هـ.
بعد نهاية شتاء سنة 28 هـ الموافق 649 م،[152] أعد معاوية المراكب اللازمة لحمل الجيش، واتخذ ميناء عكا مكاناً للإنطلاق، وكانت المراكب كثيرة وحمل معه زوجته فاختة بنت قرظة، كذلك حمل عبادة بن الصامت امرأته أم حرام بنت ملحان معه في تلك الغزوة.[153] ورغم أن معاوية لم يجبر الناس على الخروج، فقد خرج معه جيش كبير.[152] وسار المسلمون من الشام وركبوا من ميناء عكا متوجهين إلى قبرص، ونزلوا إلى الساحل، تقدمت أم حرام لتركب دابتها، فنفرت الدابة وألقت أم حرام على الأرض فاندقت عنقها فماتت.[153] ودفنت هناك، وعرف قبرها بقبر المرأة الصالحة.[154] واجتمع معاوية بأصحابه وكان فيهم أبو أيوب الأنصاري، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وعبادة بن الصامت، وواثلة بن الأسقع، وعبد الله بن بشر المازني، وشداد بن أوس بن ثابت، والمقداد بن الأسود، وكعب الحبر بن ماتع، وجبير بن نفير الحضرمي،[154] وتشاوروا فيما بينهم وأرسلوا إلى أهل قبرص يخبرونهم أنهم لم يغزوهم للاستيلاء على جزيرتهم،[154] ولكن أرادوا دعوتهم للإسلام ثم تأمين حدود الدولة الإسلامية بالشام؛ وذلك لأن البيزنطيين كانوا يتخذون من قبرص محطة يستريحون فيها إذا غزوا ويتموَّنون منها إذا قل زادهم، فكانت بلداً مهمة لإخضاعها تحت سيطرة المسلمين، ولكن سكان الجزيرة لم يستسلموا، بل تحصنوا في العاصمة ولم يخرجوا لمواجهة المسلمين.[154]
تقدم المسلمون إلى قسطنطينا عاصمة قبرص وحاصروها، وما هي إلا ساعات حتى طلب الناس الصلح، وأجابهم المسلمون لذلك، وقدموا شروطًا للمسلمين، كما اشترط عليهم المسلمون شروطاً. أما شرط أهل قبرص كانت في طلبهم ألا يشترط عليهم المسلمون شروطا تورطهم مع الروم؛ لأنه ليست لهم قدرة بهم، وأما شروط المسلمين فكانت، ألا يدافع المسلمون عن الجزيرة إذا هاجم سكانها محاربون، وأن يدلوا المسلمين على تحركات عدوهم من الروم، وأن يدفعوا للمسلمين سبعة آلاف ومائتي دينار في كل عام، وألا يساعدوا الروم إذا حاولوا غزو بلاد المسلمين، وألا يطلعوهم على أسرارهم.[155]
الفتوحات في الجبهة المصرية