والـدا النبـي صلى اللـه عليه وسلَّم :
____________________________
من كمال محبته صلى الله عليه وسلم محبة كل من انتسب إليه بسبب أو بنسب ولا سيما محبة الأبوين الشريفين، ومن المباحث الجليلة في كتاب تبرئة الذمة لسيدي الإمام فخر الدين مبحث يتحدَّث فيه باستفاضة عن أبوي رسول الله صلى الله علي وسلم وقدد ساق من الأدلة القوية ما يثبت من أنهما من أهل الكرامة وأنهما من الناجين يوم الفزع الأكبر وقد ماتا رضي الله تعالى قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم وقد دفع هذا بعض من خلا قلبه من المحبة ومن الورع إلى القول بأنهما ماتا ميتة جاهلية ولكن العلماء المحققين قد ساقوا من الأدلة الواضحة ما يثبت أنهما من أهل الإيمان، وقد ألف الإمام السيوطي المقامة السندسية في نجاة والدي خير البريَّة '' وكذلك ألف العلماء '' الدرج المنيفة في الآباء الشريفة ''وغير هذا من التصانيف الجليلة.
ويتلخص ما قاله العلماء في الأدلَّة التالية :
أولاً : أن المولى عز وجل قد أكرم أنبياءه ببر والديه والدعاء لهم فقال في حق يحي عليه السلام {وبرَّا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا} (مريم 14) وقال عيسى عليه السلام {وبرَّا بوالدتي ولم يجعلني جبارا عصيا} (مريم 22) وقال نوح عليه السلام {ربِّ اغفر ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمنا} (نوح 28) وقال سليمان عليه السلام {ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ} (النمل 19) وقال خليل الله إبراهيم عليه السلام {ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} وقد جاء أنه لم يعط نبي فضيلة ولا خصيصة إلا وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مثلها أو أعظم منها فقد خص المولى عزَّ وجل أنبياءه ببرِّ والديهم والدعاء لهم فكيف يُحرمها سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلَّم.
جاء في حق أهل الفترة أنهم غير معذَّبين قال تعالى {وما كنَّا معذبين حتى نبعث رسولا} وقال تعالى {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كان ربك مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون} وقال في حق الكافرين وهم يصطرخون فيها {ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر من متذكر وجاءكم النذير}.
ثانياً: ما أورده العلماء من أن أجداد رسل الله كانوا من الموحدين قال صلى الله عليه وسلَّم(لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمناً'') وجاء أن كعب بن لؤي جدَّ رسول الله أوصى ولده بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنشد:
يا ليتـني شاهـد نجــواء دعوتـه إذا قريـش تبغِّـي الحـق خذلانا
وقال سيدنا العباس بن عبد المطلب يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلَّم :
ومـن قبل طبـت في الظـلال وفي مستـودع حيـث يخصف الورق
ثـم هبطــت البــلاد لا بشــر أنــت ولا نطــة ولا علـق
نطفـة تركـب السفــين وقــد ألجـم نسـرا وأهـلـه الغـرق
تنـقـل مـن صلـب إلى رحــم إذا مضـى عـالم بــدا طبـق
وأنـت لمــا ولـدت أشرقـت ال أرض وضـاءت بـنـورك الأفق
ونحـن في ذلــك الضيــاء وفي النــور وسبـل الرشـاد نخترق
وقد أخرج ابن حبييب في تاريخه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (كان عدنان ومعد ربيعة وخزيمة وأسد على ملَّة إبراهيم فلا تذكروهم إلا بخير)
ثالثاً: ورد في الحديث أن مما أكرم الله به نبيه في حجة الوداع إحياء واليه حتى آمنا به قال الشيخ رضي الله تعالى عنه:(أن الله أحيا أبويه حتى آمنا به)، وهذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة من حفاظ المحدِّثين وغيرهم، منهم ابن شاهين والحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي والسهيلي والقرطبي والمحب الطبري والعلامة ناصر الدين ابن المنير، واستلوا بما أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ والخطيب البغدادي في السابق واللاحق والدار قطني وابن عساكر في غرائب مالك بسند ضعيف عن عائشة رضي الله عنها قالت'' حجّ بنا رسـول الله حجــة الوداع، فمر عــلى عقبة بالحجون وهو باك حزين مغتم، فنزل فمكث عني طويلا، ثم عاد إليَّ وهو فرح متبسم، فقال: ''(ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحييها فأحياها فآمنت بي وردَّها الله)، هذا الحديث ضعيف باتفاق المحدِّثين، بل قيل إنه موضوع، ولكن الصواب ضعفه لا وضعه.
وقال العلامة بن المنير المالكي في كتاب المقتفى في شرف المصطفى: قد وقع لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم من إحياء الموتى نظير ما وقع لعيسى بن مريم إلى أن قال: وجاء في حديث أن النبيَّ لما منع من الاستغفار للكفار دعا الله أن يحي أبويه، فأحياهما له فآمنا به وصدَّقا وماتا.
حـب الله النـبي مزيد فضـل علـى فضل وكـان به رؤوفا
فأحـيا أمــه وكـذا أبــاه لإيمـان بـه فضـلا لطيفــا
فسلِّم فالقــــدير بـذا قدير وإن كـان الحديـث به ضعيفا
وقال بعض المحبين عندما تحدَّث عن السيدة حليمة السعدية رضي الله تعالى عنها :
هذا جـزاء الأم عن إرضاعـه لكـن جزاء الله عنـه عـظيم
وكــذاك أرجو أن يكون لأمه عـن ذاك آمنة يــد ونعـيم
ويكـون أحياهـا الإله وآمنـت بمحـمد فحديثهـا معلـــوم
فلربَّمـا سعدت به أيضاً كمـا سعـدت به بـعد الشقاء حليم
رابعاً : قوله تعالى {الذي يراك حين تقوم وتقلبَّك في الساجدين} (الشعراء 219).
وقد قال الإمام القرطبي: (وأنا أخشى الكفر على من قال بغير ذلك).
وقال موَّفق الدين بن قدامة الحنبلي في المقنع:
(ومن قذف أم النبي عليه الصلاة والسلام قتل مسلماً كان أو كافرا).
قال الإمام البصيري رضي الله تعالى عنه :
فهنيئا به لآمنـة الفضـــــل الـــذي شرفـت به حــواء
من لحـواء أنهـا حمــلـــت أحـمــد أو أنها بـــه نفساء
يوم نالت بوضعـه ابنـة وهـب مـن فــخار مـالم تنله النساء
وأتت قومــها بأحــسن ممـا أنجبـت قبـل مريـم العــذراء