شرح صيغة صلاة تسمى [ شمس الكنز الأعظم ] ومن قرأها حجب عن قلبه وساوس الشيطان :
ـــــــ
( وبدأ أول الصيغ بالصيغة المنسوبة لحجة الإسلام الغزالي لما فيها من جميل شمائله وبيان فضائله فقال :
(اللهم اجعل أفضل صلواتك) جمع صلاة وهي رحمته المقرونة بالتعظيم (أبدًا) ظرف مستقبل لا نهاية له (وأنمى بركاتك ) أي أزيد خيراتك (سرمدا) أي على طول بقائك الذي لا انقضاء له (وأزكى) أي أنمى (تحياتك) جمع تحية وهى ما يحيَّى به من سلام وغيره أي فحيه بكلامك القديم تحية لائقة بفضلك عليه فلم يهمل المصنف أعني الغزالي السلام بل دخل تحت قوله تحياتك (فضلاً وعددًا) أي بالفضل والعدد الكثير الذي لا يحصى (على أشرف الخلائق الإنسانية) أي وغيرها وإنما خص الإنسان لأنه أفضل الأنواع فإذا فضلهم كان أفضل ممن سواهم بالأولى (ومجمع الحقائق الإيمانية) جمع حقيقة فنه تؤخذ حقيقة الإيمان بجميع مراتبها من علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين (وطور التجليات الإحسانية) أي هو موضع تنزلات الرحمات ومهبطها كما أن جبل الطور مهبط تجلى الجلال عند سؤال موسىu رؤية ربه فتجلى الله على الطور بالجلال فصار دكا ورسول الله تجلى عليه بالإحسان فوسع العالمين علمًا وحلمًُا فصارت مقامات الإحسان من مراقبة ومشاهدة لا تؤخذ إلا منه (ومهبط الأسرار الرحمانية) جمع سر وهو ما يكتم أي هو موضع أسرار الله الناشئة من رحمانيته سبحانه فلا تؤخذ إلا منه (وعروس المملكة الربانية) أي كما في بعض الروايات وليست في رواية مؤلفنا أي المميز في عوالم الملك والملكوت بالفخر والبهاء كالعروس فإنه الخليفة على الإطلاق الذي صرّفه الله في الملك والملكوت بسبب أنه خلع عليه أسرار الأسماء والصفات ومكنه من التصريف في البسائط والمركبات فكان بذلك المعنى عروسًا لأن العروس نافذ أمره والجميع خدمه ومعنى الربانية المنسوب إلى الرب (واسطة عقد النبيين) واسطة العقد جوهرته الكبرى ووسط الشيء خياره وإضافة عقد للنبيين بيانية أو من إضافة المشبه به للمشبه ومعناه خيار النبيين (ومقدم جيش المرسلين) بكسر الدال وفتحها والجيش الطائفة وإضافة جيش لما بعده بيانية ومعناه على كسر الدال الرافع لرتبتهم لأنه الممد لهم وعلى فتحها أن الله قدمه عليهم بالحس والمعنى (وقائد ركب الأنبياء المكرمين) جمع نبي روى أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا وقيل مائتان ألف وخمسة وعشرون ألفا وقيا ألف ومئتا ألف وخمسة وعشرون ألفا الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر وقيل و أربعة عشر والمذكور منهم في القرآن خمسة وعشرون ثمانية عشر في ) وتلك حجتنا....الخ ( في الأنعام والباقي محمد وآدم وصالح وشعيب وهود وإدريس وذو الكفل . أولو العزم منهم خمسة جمعها بعضهم في بيت شعر بقوله :
محمد إبراهيم موسى كليمه فعيسى فنوح هم أولو العزم فاعلم .
وفضلها على هذا الترتيب والحق أن عدة الأنبياء والرسل لا يعلمها إلا الله والمكرمين بفتح الراء مخففة ومشددة أي الذين أكرمهم الله بالمعجزات الباهرة ومعنى قائدهم الدال بهم إلى الله (وأفضل الخلق أجمعين) لقوله : أنا سيد ولد آدم ولا فخر . ونوع الآدمي أفضل الخلق فيكون أفضل الخلق على الإطلاق وفي خبر الترمذي : وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر. (حامل لواء العز الأعلى) اللواء بالمد الراية والعز ضد الذل الأعلى أي الأشرف والأرفع والمعنى أن بيده عز الدارين لمن انتسب له (ومالك أزِمًّة) بالتشديد جمع زمام ( المجد الأسنى) أي الشرف الأرفع وهو كناية أيضًا عن عز الدارين لمن اتبعه . المقام مقام إطناب (شاهد) أي عالم علم معاينة (أسرار) جمع سر ضد الجهر (الأزل) أي القدم وقيل الأزل أعم من القدم (ومشاهد) بضم الميم بمعنى معاين ( أنوار) جمع نور (السوابق الأول) بضم الهمزة وفتح الواو جمع سابق وأول الأشياء متقدم عليهم بل وعلى جميع فهو وإن تأخر وجود جسمه على جميع المخلوقات باعتبار حقيقته فأنوار السوابق الأول ناشئة منه وعارضة عليه فكان بهذا المعنى مشاهدها ويشهد لهذا المعنى حديث جابر الآتي ذكره إن شاء الله تعالى (وترجمان) بفتح التاء أفصح من ضمها جمعه تراجم مثل زعفران وزعافر (لسان القدم) بكسر القاف والترجمان في الأصل اسم لملقن معاني الكلمات والمراد منه الملقن كل العلوم الغيبية التي نشأت عن ذي القدم سبحانه وتعالى (ومنبع العلم) أي محل نبع علوم الأولين والآخرين وصح انه r قال : تعلمت علم الأولين والآخرين . وكفانا قول البوصيري ’ومن علومك علم اللوح والقلم’. (والحلم) أي محل حلم الأولين والآخرين قال البوصيري: وسع العالمين علمًا وحلمًا فهو البحر والأنام ركاء
(والحكم) جمع حكمة وهي إتقان العلم والعمل أي فهو منبعها أيضًا(مظهر) مفعل أو اسم فاعل من أظهر أي الذي به الظهور(سر الجود) أي لب وخالص الجود أي جود الله (الجزئي والكليّ) أي الدقيق والجليل والمعنى انه ظهرت به بركات الدنيا والآخرة (وإنسان عين الوجود) أي خيار الموجودات ونورها كما إن إنسان العين نورها فالعين بدونه لا تبصر والموجودات من العالم (العلوي والسفلي) بدونه عدم كما في الحديث ´لولاك ما خلقت سماء ولا أرض الخ’ (روح جسد الكونين) جمع كون بمعنى المكون اسم مفعول والمراد العالمان عالم الملك وهو ما ظهر لنا وعالم الملكوت وهو ما خفي عنا فالنبي r سره سارٍ في الكونين كسريان الروح في الجسد (وعين حياة الدارين) أي حقيقة حياتهما أو هو r كعين الحياة للدارين التي من شرب منها لا يموت ( المتحقق بأعلى رتب) جمع رتبة وهي المنزلة (العبودية) أي غاية التذلل والخضوع فتذلله وخضوعه لا يدانيه فيه أحد ولذلك كانت العبودية أفضل أوصافه على الراجح ( المتخلق) أي المتصف (بأخلاق المقامات الإصطفائية) أي المختارة فالاصطفاء الاختيار ومنه المصطفى أي المختار قال تعالى) وإنك لعلى خلقٍ عظيم( ولا يعلم حقيقة العظم الذي وصفه الله به إلا خالقه ولذلك قال بعض العارفين :
إذا الله أثنى بالذي هو أهله عليه فما مقدار ما تمدح الورى
(الخليل الأعظم والحبيب الأكرم) أي الأعظم من كل عظيم والأكرم من كل كريم والفرق بين الحبيب والخليل كما قال النيسابوري : أن الخليل هو الذي امتحنه الله ثم أحبه والحبيب الذي أحبه الله ابتداءً تفضلاً أو الخليل الذي جعل ما يملكه فداء خليله والحبيب الذي جعل المولى مملكته فداءه وبهذا المعنى يكون وصف الحبيب أفضل من وصف الخليل ولذلك اشتهر به r واشتهر إبراهيم u بالخليل وإلا فكل حبيب خليل قال البرعي :
إذا ذكر الخليل فـذا حبيب عليه الله في التــوراة أثنى
وقال البوصيري في لاميته :
أعلى المراتب عند الله رتبته فافهم فما موضع المحبوب مجهول
(سيدنا) معاشر المخلوقين(محمد) أشرف أسمائه r كما تقدم (ابن عبد الله) اسم أبيه (ابن عبد المطلب) واسمه شيبة الحمد على الأصح (وعلى سائر) أي باقي (الأنبياء والمرسلين) عطف خاص لمزيد الشرف (وعلى آلهم وصحبهم) أي وعلى آل الجميع وأصحابهم (أجمعين) تأكيد (كلما ذكرك) أي يا الله (الذاكرون) جمع ذاكر ضد الغافل (و) كلما (غفل عن ذكرهم) أي الأنبياء
وآلهم وصحبهم( الغافلون) جمع غافل والمعنى صل عليهم كل وقت وكل حال . وهذه الصلاة نقلها حجة الإسلام الغزالي عن القطب العيدروس وتسمى شمس الكنز الأعظم ومن قرأها حجب عن قلبه وساوس الشيطان وقال بعضهم أنها للقطب الرباني سيدي عبد القادر الجيلاني وأن من قرأ بعد صلاة العشاء الإخلاص والمعوذتين ثلاثا ثلاثا وصلى على النبي بهذه الصيغة رأى النبي في المنام . )
ـــــــــــــــ
الأسرار الربانية والفيوضات الرحمانية على الصلوات الدرديرية للإمام الهمام العالم العامل و اللوذعي الكامل العارف بالله تعالى شيخنا و أستاذنا معدن الشريعة و الحقيقة الشيخ احمد الصاوي المالكي الخلوتى نفعنا الله تعالى به والمسلمين
آمين
ــــــــ
{ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتَكَ أَبَدَاً وَأَنْمِيَ بَرَكَاتِكَ سَرْمَدَاً وَأَزْكي تَحِيَّاتِكَ فَْلَاً وَعَدَداً عَلَى أَشْرَفِ الْخَلائِقِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَمَجْمَعِ الْحَقَائِقِ الْإِيمَانِيَّةِ وَطُورِ التَّجَلِّياتِ الْإِحْسَانِيَّةِ وَمَهْبَطِ الْأَسْرَارِ الرَّحْمَانِيَّةِ وَاسِطَةِ عِقْدِ النَّبِيِّينَ وَمُقَدِّمِ جَيْشِ الْمُرْسَلِينَ وَقَائِدِ رَكْبِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُكْرَمِينَ وَأَفْضَلِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ حامِلِ لِوَاءِ الْعِزِّ الْأَعْلى وَمَالِكِ أَزِمَّةِ الْمَجْدِ الْأَسْنَى شَاهِدِ أَسْرَارِ الْأَزَلِ وَمُشَاهِدِ أَنْوَارِ السَّوَابِقِ الْأَوَّلِ وَتَرْجُمَانِ لِسَانِ الْقِدَمِ وَمَنْبَعِ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالْحِكَمِ مَظْهَرِ سِرِّ الْجُودِ الْجُزْئِيِّ وَالْكُلِّيِّ وَإِنْسَانِ عَيْنِ الْوُجُودِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ رُوحِ جَسَدِ الْكَوْنَيْنِ وَعَيْنِ حَيَاةِ الدَّارَيْنِ الْمُتَحَقِّقِ بِأَعْلَى رُتَبِ الْعُبودِيَّةِ الْمُتَخَلِّقِ بِأَخَلاقِ الْمَقَامَاتِ الْإِصْطِفَائِيَّةِ الْخَلِيلِ الْأَعْظَمِ وَالْحَبِيبِ الْأَكْرَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ بِنْ عَبْدِ اللهِ بِنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِمْ وَصَحْبِهِمْ أَجْمَعِينَ.كُلَّما ذَكَرَكَ الذَّاكِرُونَ وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِمُ الْغَافِلُونَ.}